فصل: باب يستغنى فيه عن ما أفعله بما أفعل فعله وعن أفعل منه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **


  باب اشتقاقك الأسماء لمواضع بنات الثلاثة

التي ليست فيها زيادة من لفظها أما ما كان من فعل يفعل فإن موضع الفعل مفعلٌ وذلك قولك‏:‏ هذا محبسنا ومضربنا ومجلسنا كأنهم بنوه على بناء يفعل فكسروا العين كما كسروها في يفعل‏.‏

فإذا أردت المصدر بنيته على مفعلٍ وذلك قولك‏:‏ إن في ألف درهم لمضرباً أي لضرباً‏.‏

قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ أين المفر ‏"‏ يريد‏:‏ أين الفرار‏.‏

فإذا أراد المكان قال‏:‏ المفر كما قالوا‏:‏ المبيت حين أرادوا المكان لأنها من بات يبيت‏.‏

وقال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ وجعلنا النهار معاشاً ‏"‏ أي جعلناه عيشاً‏.‏

وقد يجيء المفعل يراد به الحين‏.‏

فإذا كان من فعل يفعل بنيته على مفعلٍ تجعل الحين الذي فيه الفعل كالمكان‏.‏

وذلك قولك‏:‏ أتت الناقة على مضربها وأتت على منتجها إنما تريد الحين الذي فيه النتاج والضرب‏.‏

وربما بنوا المصدر على المفعل كما بنوا المكان عليه إلا أن تفسير الباب وجملته على القياس كما ذكرت لك وذلك قولك‏:‏ المرجع قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ إلى ربكم مرجعكم ‏"‏ أي رجوعكم‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ ويسئلونك عن المحيض قل هو أذىً فاعتزلوا النساء في المحيض ‏"‏ أي في الحيض‏.‏

وقالوا‏:‏ المعجز يريدون العجز‏.‏

وقالوا‏:‏ المعجز على القياس وربما ألحقوا هاء التأنيث فقالوا‏:‏ المعجزة والمعجزة كما قالوا‏:‏ المعيشة‏.‏

وكذلك أيضاً يدخلون الهاء في المواضع‏.‏

قالوا‏:‏ المزلة أي موضع زلل‏.‏

وقالوا‏:‏ المعذرة والمعتبة فألحقوا الهاء وفتحوا على القياس‏.‏

وقالوا‏:‏ المصيف كما قالوا‏:‏ أتت الناقة على مضربها أي على زمان ضرابها وقالوا‏:‏ المشتاة فأنثوا وفتحوا لأنه من يفعل‏.‏

وقالوا‏:‏ المعصية والمعرفة كقيلهم‏:‏ المعجزة‏.‏

وربما استغنوا بمفعلةٍ عن غيرها وذلك قولهم‏:‏ المشيئة والمحمية‏.‏

وقالوا‏:‏ المزلة‏.‏

وقال الراعي‏:‏ بنيت مرافقهن فوق مزلةٍ لا يستطيع بها القراد مقيلا يريد‏:‏ قيلولةً‏.‏

وأما ما كان يفعل منه مفتوحاً فإن اسم المكان يكون مفتوحا كما كان الفعل مفتوحا‏.‏

وذلك قولك‏:‏ شرب يشرب‏.‏

وتقول للمكان مشربٌ‏.‏

ولبس يلبس والمكان الملبس‏.‏

وإذا أردت المصدر فتحته أيضاً كما فتحته في يفعل فإذا جاء مفتوحاً في المكسور فهو في المفتوح أجدر أن يفتح‏.‏

وقد كسر المصدر كما كسر في الأول قالوا‏:‏ علاه المكبر‏.‏

ويقولون المذهب للمكان‏.‏

وتقول‏:‏ أردت مذهباً أي ذهاباً فتفتح لأنك تقول‏:‏ يذهب فتفتح‏.‏

ويقولون‏:‏ محمدةٌ فأنثوا كما أنثوا الأول وكسروا كما كسروا المكبر‏.‏

وأما ما كان يفعل منه مضموما فهو بمنزلة ما كان يفعل منه مفتوحا ولم يبنوه على مثال يفعل لأنه ليس في الكلام مفعلٌ فلما لم يكن إلى ذلك سبيل وكان مصيره إلى إحدى الحركتين ألزموه أخفهما‏.‏

وذلك قولك‏:‏ قتل يقتل وهذا المقتل‏.‏

وقالوا‏:‏ يقوم وهذا المقام‏.‏

وقالوا‏:‏ أكره مقال الناس وملامهم‏.‏

وقالوا‏:‏ الملامة والمقالة فأنثوا‏.‏

وقالوا‏:‏ المرد والمكر يريدون الرد والكرور‏.‏

وقالوا‏:‏ المدعاة والمأدبة إنما يريدون الدعاء إلى الطعام‏.‏

وقد كسروا المصدر في هذا كما كسروا في يفعل قالوا‏:‏ أتيتك عند مطلع الشمس أي عند طلوع الشمس‏.‏

وهذه لغة بني تميم وأما أهل الحجاز فيفتحون‏.‏

وقد كسروا الأماكن في هذا أيضاً كأنهم أدخلوا الكسر أيضاً كما أدخلوا الفتح‏.‏

وذلك‏:‏ المنبت والمطلع لمكان الطلوع‏.‏

وقالوا‏:‏ البصرة مسقط رأسي للموضع‏.‏

والسقوط المسقط‏.‏

وأما المسجد فإنه اسم للبيت ولست تريد به موضع السجود وموضع جبهتك لو أردت ذلك لقلت مسجدٌ‏.‏

ونظير ذلك‏:‏ المكحلة والمحلب والميسم لم ترد موضع الفعل ولكنه اسمٌ لوعاء الكحل‏.‏

وكذلك المدق صار اسماً له كالجلمود‏.‏

وكذلك المقبرة والمشرقة وإنما أراد اسم المكان‏.‏

ولو أراد موضع الفعل لقال مقبرٌ ولكنه اسم بمنزلة المسجد‏.‏

والمظلمة بهذه المنزلة إنما هو اسم ما أخذ منك ولم ترد مصدراً ولا موضع فعل‏.‏

وقالوا‏:‏ مضربة السيف جعلوه اسماً للحديدة وبعض العرب يقول‏:‏ مضربةٌ كما يقول‏:‏ مقبرة ومشربة فالكسر في مضربةٍ كالضم في مقبرةٍ‏.‏

والمنخر بمنزلة المدهن كسروا الحرف كما ضم ثمة‏.‏

وقالوا‏:‏ المسربة فهو الشعر الممدود في الصدر وفي السرة بمنزلة المشرقة لم ترد مصدراً ولا موضعاً لفعل وإنما هو اسم مخط الشعر الممدود في الصدر‏.‏

وكذلك‏:‏ المأثرة والمكرمة والمأدبة‏.‏

وقد قال قوم معذرةٌ كالمأدبة ومثله‏:‏ ‏"‏ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ ‏"‏‏.‏

ويجيء المفعل اسماً كما جاء في المسجد والمنكب وذلك‏:‏ المطبخ والمربد‏.‏

وكل هذه الأبنية تقع اسماً للتي ذكرنا من هذه الفصول لا لمصدرٍ ولا لموضع العمل‏.‏

  باب ما كان من هذا النحو من بنات الياء والواو التي الياء فيهن لام

فالموضع والمصدر فيه سواءٌ وذلك لأنه معتل وكان الألف والفتح أخف عليهم من الكسرة مع الياء ففروا إلى مفعلٍ إذ كان مما يبنى عليه المكان والمصدر‏.‏

ولا يجي مكسوراً أبداً بغير الهاء لأن الإعراب يقع على الياء ويلحقها الاعتلال فصار هذا بمنزلة الشقاء والشقاوة وتثبت الواو مع الهاء وتبدل مع ذهابها‏.‏

وأما بنات الواو فيلزمها الفتح لأنها يفعل ولأن فيها ما في بنات الياء من العلة‏.‏

  هذا باب ما كان من هذا النحو من بنات الواو التي الواو فيهن فاءٌ

فكل شيءٍ كان من هذا فعل فإن المصدر منه من بنات الواو والمكان يبنى على مفعلٍ وذلك قولك للمكان‏:‏ الموعد والموضع والمورد‏.‏

وفي المصدر الموجدة والموعدة‏.‏

وقد بين أمر فعل هناك وذلك من قبل أن فعل من هذا الباب لا يجيء إلا على يفعل ولا يصرف عنه إلى يفعل لعلة قد ذكرناها فلما كان لا يصرف عن يفعل وكان معتلاً ألزموا مفعلاً منه ما ألزموا يفعل وكرهوا أن يجعلوه بمنزلة ما ليس بمعتلٍّ ويكون مرةً يفعل ومرةً يفعل فلما كان معتلاً لازما لوجه واحد ألزموا المفعل منه وجها واحداً‏.‏

وقال أكثر العرب في وجل يوجل ووحل يوحل‏:‏ موحلٌ وموحلٌ وذلك أن يوجل ويوحل وأشباههما في هذا الباب من فعل يفعل قد يعتل فتقلب الواو ياءً مرةً وألفا مرة وتعتل لها الياء التي قبلها حتى تكسر فلما كانت كذلك شبهوها بالأول لأنها في حال اعتلال ولأن الواو منها في موضع الواو من الأول‏.‏

وهم مما يشبهون الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله في جميع حالاته‏.‏

وحدثنا يونس وغيره أن ناسا من العرب يقولون في وجل يوجل ونحوه‏:‏ موجلٌ وموحلٌ وكأنهم الذين قالوا يوجل فسلموه فلم سلم وكان يفعل كيركب ونحوه شبهوه به‏.‏

وقالوا‏:‏ مودةٌ لأن الواو تسلم ولا تقلب‏.‏

وموحد فتحوه إذ كان اسما موضوعا ليس بمصدر ولا مكان إنما هو معدول عن واحد كما أن عمر معدول عن عامر فشبهوه بهذه الأسماء وذلك نحو موهب‏.‏

وكموهبٍ‏:‏ موألة اسم رجل ومورق وهو اسم‏.‏

وأما بنات الياء التي الياء فيهن فاءٌ فإنها بمنزلة غير المعتل لأنها تتم ولا تعتل وذلك أن الياء مع الياء أخف عليهم ألا تراهم يقولون ميسرةٌ كما يقولون المعجزة وقال بعضهم‏:‏ ميسرةٌ‏.‏

  هذا باب ما يكون مفعلةٌ لازمة لها الهاء والفتحة

وذلك إذا أردت أن تكثر الشيء بالمكان وذلك قولك‏:‏ أرضٌ مسبعةٌ ومأسدةٌ ومذأبةٌ‏.‏

وليس في كل شيء يقال إلا أن تقيس شيئاً وتعلم أن العرب لم تكلم به‏.‏

ولم يجيئوا بنظير هذا فيما جاوز ثلاثة أحرف من نحو الضفدع والثعلب كراهية أن يثقل عليهم ولأنهم قد يستغنون بأن يقولوا‏:‏ كثيرة الثعالب ونحو ذلك وإنما اختصوا بها بنات الثلاثة لخفتها‏.‏

ولو قلت من بنات الأربعة على قولك ماسدةٌ لقلت‏:‏ مثعلبةٌ لأن ما جاوز الثلاثة يكون نظير المفعل منه بمنزلة المفعول‏.‏

وقالوا‏:‏ أرضٌ مثعلبةٌ ومعقربةٌ‏.‏

ومن قال ثعالةٌ قال مثعلةٌ‏.‏

ومحياةٌ ومفعاةٌ‏:‏ فيها أفاعٍ وحياتٌ‏.‏

ومقثاةٌ‏:‏ فيها القثاء‏.‏

باب ما عالجت به أما المقص فالذي يقص به‏.‏

والمقص‏:‏ المكان والمصدر‏.‏

وكل شيءٌ يعالج به فهو مكسور الأول كانت فيه هاء التأنيث أو لم تكن وذلك قولك‏:‏ محلبٌ ومنجلٌ ومكسحةٌ ومسلة والمصفى والمخرز والمخيط‏.‏

وقد يجيء على مفعالٍ نحو‏:‏ مقراضٍ ومفتاحٍ ومصباحٍ‏.‏

  هذا باب نظائر ما ذكرنا مما جاوز بنات الثلاثة بزيادة أو بغير زيادة

فالمكان والمصدر يبنى من جميع هذا بناء المفعول وكان بناء المفعول أولى به لأن المصدر مفعولٌ والمكان مفعولٌ فيه فيضمون أوله كما يضمون المفعول لأنه قد خرج من بنات الثلاثة فيفعل بأوله ما يفعل بأول مفعوله كما أن أول ما ذكرت لك من بنات الثلاثة كأول مفعوله مفتوحٌ وإنما منعك أن تجعل قبل آخر حرف من مفعوله واواً كواو مضروبٍ أن ذلك ليس من كلامهم ولا مما بنوا عليه يقولون للمكان‏:‏ هذا مخرجنا ومدخلنا ومصبحنا وممسانا وكذلك إذا أردت المصدر‏.‏

قال أمية بن أبي الصلت‏:‏ الحمد لله ممسانا ومصبحنا بالخير صبحنا ربي ومسانا ويقولون للمكان‏:‏ هذا متحاملنا ويقولون‏:‏ ما فيه متحامل أي ما فيه تحاملٌ‏.‏

ويقولون‏:‏ مقاتلنا وكذلك تقول إذا أردت المقاتلة قال مالك بن أبي كعب أبو كعب بن مالك الأنصاري‏:‏ أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلاً وأنجو إذا غم الجبان من الكرب اقاتل حتى لا أرى لي مقاتلاً وأنجو إذا لم ينج إلا المكيس وقال في المكان‏:‏ هذا موقانا‏.‏

وقال رؤبة‏:‏ إن الموقى مثل ما وقيت يريد التوقية‏.‏

وكذلك هذه الأشياء‏.‏

وأما قوله‏:‏ دعه إلى ميسوره ودع معسوره فإنما يجيء هذا على المفعول كأنه قال‏:‏ دعه إلى أمر يوسر فيه أو يعسر فيه‏.‏

وكذلك المرفوع والموضوع كأنه يقول‏:‏ له ما يرفعه وله ما يضعه‏.‏

وكذلك المعقول كأنه قال‏:‏ عقل له شيءٌ أي حبس له لبه وشدد‏.‏

ويستغنى بهذا عن المفعل الذي يكون مصدراً لأن في هذا دليلا عليه‏.‏

  باب ما لا يجوز فيه ما أفعله

وذلك ما كان أفعل وكان لوناً أو خلقةً‏.‏

ألا ترى أنك لا تقول‏:‏ ما أحمره ولا ما أبيضه‏.‏

ولا تقول في الأعرج‏:‏ ما أعرجه ولا في الأعشى‏:‏ ما أعشاه‏.‏

إنما تقول‏:‏ ما أشد حمرته وما أشد عشاه‏.‏

وما لم يكن فيه ما أفعله لم يكن فيه أفعل به رجلا ولا هو أفعل منه لأنك تريد أن ترفعه من غايةٍ دونه كما أنك إذا قلت ما أفعله فأنت تريد أن ترفعه عن الغاية الدنيا‏.‏

والمعنى في أفعل به وما أفعله واحد وكذلك أفعل منه‏.‏

وإنما دعاهم إلى ذلك أن هذا البناء داخلٌ في الفعل‏.‏

ألا ترى قلته في الأسماء وكثرته في الصفة لمضارعتها الفعل‏.‏

فلما كان مضارعاً للفعل موافقاً له في البناء كره فيه ما لا يكون في فعله أبدا‏.‏

وزعم الخليل أنهم إنما منعهم من أن يقولوا في هذه ما أفعله لأن هذا صار عندهم بمنزلة اليد والرجل وما ليس فيه فعلٌ من هذا النحو‏.‏

ألا ترى أنك لا تقول‏:‏ ما أيداه ولا ما أرجله إنما تقول‏:‏ ما أشد يده وما أشد رجله ونحو ذلك‏.‏

ولا تكون هذه الأشياء في مفعالٍ ولا فعولٍ كما تقول رجلٌ ضروبٌ ورجلٌ محسانٌ لأن هذا في معنى ما أحسنه إنما تريد أن تبالغ ولا تريد أن تجعله بمنزلة كل من وقع عليه ضاربٌ وحسنٌ‏.‏

وأما قولهم في الأحمق‏:‏ ما أحمقه وفي الأرعن‏:‏ ما أرعنه وفي الأنوك‏:‏ ما أنوكه وفي الألد‏:‏ ما ألده فإنما هذا عندهم من العلم ونقصان العقل والفطنة فصارت ما ألده بمنزلة ما أمرسه وما أعلمه وصارت ما أحمقه بمنزلة ما أبلده وما أشجعه وما أجنه لأن هذا ليس بلونٍ ولا خلقةٍ في جسده وإنما هو كقولك‏:‏ ما ألسنه وما أذكره وما أعرفه وأنظره تريد نظر التفكر وما أشنعه وهو أشنع لأنه عندهم من القبح وليس بلون ولا خلقةٍ من الجسد ولا نقصانٍ فيه فألحقوه بباب القبح كما ألحقوا ألد وأحمق بما ذكرت لك لأن أصل بناء أحمق ونحوه أن يكون على غير بناء أفعل نحو بليدٍ وعليمٍ وجاهلٍ وعاقلٍ وفهمٍ وحصيفٍ‏.‏

وكذلك الأهوج تقول‏:‏ ما أهوجه كقولك‏:‏ ما أجنه‏.‏

  باب يستغنى فيه عن ما أفعله بما أفعل فعله وعن أفعل منه

بقولهم‏:‏ هو أفعل منه فعلاً كما استغني بتركت عن ودعت وكما استغني بنسوةٍ عن أن يجمعوا المرأة على لفظها وذلك في الجواب‏.‏

ألا ترى أنك لا تقول‏:‏ ما أجوبه إنما تقول‏:‏ ما أجود جوابه‏.‏

ولا تقول هو أجوب منه ولكن هو أجود منه جواباً ونحو ذلك‏.‏

وكذلك لا تقول‏:‏ أجوب به وإنما تقول‏:‏ أجود بجوابه‏.‏

ولا يقولون في قال يقيل ما أقيله استغنوا بما أكثر قائلته‏.‏

وما أنومه في ساعة كذا وكذا كما قالوا تركت ولم يقولوا ودعت‏.‏

  باب ما أفعله على معنيين

تقول‏:‏ ما أبغضني له وما أمقتني له وما أشهاني لذلك‏.‏

إنما تريد أنك ماقتٌ وأنك مبغضٌ وأنك مشتهٍ‏.‏

فإن عنيت قلت‏:‏ ما أفعله إنما تعني به هذا المعنى‏.‏

وتقول‏:‏ ما أمقته وما أبغضه إلي إنما تريد أنه مقيتٌ وأن مبغضٌ إليك كما أنك تقول‏:‏ ما أقبحه وإنما تريد أنه قبيح في عينك وما أقذره إنما تريد أنه قذرٌ عندك‏.‏

وتقول‏:‏ ما أشهاها أي هي شهيةٌ عندي كما تقول‏:‏ ما أحظاها أي حظيت عندي‏.‏

فكأن ما أمقته وما أشهاها على فعل وإن لم يستعمل كما تقول‏:‏ ما أبغضه إلي وقد بغض‏.‏

فجيء على فعل وفعل وإن لم يستعمل كأشياء فيما مضى وأشياء ستراها إن شاء الله‏.‏

  باب ما تقول العرب فيه ما أفعله

وليس له فعل وإنما يحفظ هذا حفظا ولا يقاس قالوا‏:‏ أحنك الشاتين وأحنك البعيرين كما قالوا‏:‏ آكل الشاتين كأنهم قالوا‏:‏ حنك ونحو ذلك‏.‏

فإنما جاءوا بأفعل على نحو هذا وإن لم يتكلموا به‏.‏

وقالوا‏:‏ آبل الناس كلهم كما قالوا‏:‏ أرعى الناس كلهم وكأنهم قد قالوا‏:‏ أبل يأبل‏.‏

وقالوا‏:‏ رجلٌ آبل وإن لم يتكلموا بالفعل‏.‏

وقولهم‏:‏ آبل الناس بمنزلة آبل منه لأن ما جاز فيه أفعل الناس جاز وهذه الأسماء التي ليس فيها فعل ليس القياس فيها أن يقال أفعل منه ونحو ذلك‏.‏

وقد قالوا فلانٌ آبل منه كما قالوا‏:‏ أحنك الشاتين‏.‏

  باب ما يكون يفعل ومن فعل فيه مفتوحا

وذلك إذا كانت الهمزة أو الهاء أو العين أو الحاء أو الغين أو الخاء لاماً أو عينا‏.‏

وذلك قولك قرأ يقرأ وبذأ يبذأ وخبأ يخبأ وجبه يجبه وقلع يقلع ونفع ينفع وفرغ يفرغ وسبع يسبع وضبع يضبع وصنع يصنع وذبح يذبح ومنح يمنح وسلخ يسلخ ونسخ ينسخ‏.‏

هذا ما كانت هذه الحروف فيه لامات‏.‏

وأما ما كانت فيه عيناتٍ فهو كقولك‏:‏ سأل يسأل وثأر يثأر وذأل يذأل وذهب يذهب - والذألان‏:‏ المر الخفيف - وقهر يقهر ومهر يمهر وبعث يبعث وفعل يفعل ونحل ينحل ونحر ينحر وشحج يشحج ومغث يمغث وفغر يفغر وشغر يشغر وذخر يذخر وفخر يفخر‏.‏

وإنما فتحوا هذه الحروف لأنها سفلت في الحلق فكرهوا أن يتناولوا حركة ما قبلها بحركة ما ارتفع من الحروف فجعلوا حركتها من الحرف الذي في حيزها وهو الألف وإنما الحركات من الألف والياء والواو‏.‏

وكذلك حركوهن إذ كن عيناتٍ ولم يفعل هذا بما هو من موضع الواو والياء لأنهما من الحروف التي ارتفعت والحروف المرتفعة حيزٌ على حدةٍ فإنما تتناول للمرتفع حركةً من مرتفع وكره أن يتناول للذي قد سفل حركةٌ من هذا الحيز‏.‏

وقد جاءوا بأشياء من هذا الباب على الأصل قالوا‏:‏ برأ يبرؤ كما قالوا‏:‏ قتل يقتل وهنأ يهنىء كما قالوا‏:‏ ضرب يضرب‏.‏

وهذا في الهمزة أقل لأن الهمزة أقصى الحروف وأشدها سفولاً وكذلك الهاء لأنه ليس في الستة الأحرف أقرب إلى الهمزة منها وإنما الألف بينهما‏.‏

وقالوا‏:‏ نزع ينزع ورجع يرجع كما قالوا‏:‏ ضرب يضرب‏.‏

وقالوا‏:‏ نضح ينضح ونبح ينبح ونطح ينطح وقالوا‏:‏ منح يمنح وقالوا‏:‏ جنح يجنح كما قالوا‏:‏ ضمر يضمر وصار الأصل في العين أقل لأن العين أقرب إلى الهمزة من الحاء‏.‏

وقالوا‏:‏ صلح يصلح وقالوا‏:‏ فرغ يفرغ وصبغ يصبغ ومضغ يمضغ كما قالوا‏:‏ قعد يقعد‏.‏

وقالوا‏:‏ نفخ ينفخ وطبخ يطبخ ومرخ يمرخ والأصل في هذين الحرفين أجدر أن يكون يعني الخاء والغين لأنهما أشد الستة ارتفاعاً‏.‏

ومما جاء على الأصل مما فيه هذه الحروف عيناتٌ قولهم‏:‏ زأر يزئر ونأم ينئم من الصوت كما قالوا‏:‏ هتف يهتف‏.‏

وقالوا‏:‏ نهق ينهق ونهت ينهت مثل هتف يهتف‏.‏

وقالوا‏:‏ نعر ينعر ورعدت السماء ترعد كما قالوا‏:‏ هتف يهتف وقعد يقعد‏.‏

وقالوا‏:‏ شحج يشحج ونحت ينحت مثل ضرب يضرب‏.‏

وقالوا‏:‏ شحب يشحب مثل قعد يقعد‏.‏

وقالوا‏:‏ نغرت القدر تنغر كما قالوا‏:‏ طفر يطفر‏.‏

وقالوا‏:‏ لغب يلغب كما قالوا‏:‏ خمد يخمد ومثل يلغب من بنات العين شعر يشعر‏.‏

وقالوا‏:‏ مخض بمخض ونخل ينخل مثل قتل يقتل‏.‏

وقالوا‏:‏ نخر ينخر كما قالوا‏:‏ جلس يجلس‏:‏ وقالوا‏:‏ استبرأ يستبرىء وأبرأ يبرىء وانتزع ينتزع‏.‏

وهذا الضرب إذا كان فيه شيءٌ من هذه الحروف لم يفتح ما قبلها ولا تفتح هي أنفسها إن كانت قبل آخر حرفٍ وذاك لأن هذا الضرب الكسر له لازمٌ في يفعل لا يعدل عنه ولا يصرف عنه إلى غيره وكذلك جرى في كلامهم‏.‏

وليس فعل كذلك وذلك لأن فعل يخرج يفعل منه إلى الكسر والضم وهذا لا يخرج إلا إلى الكسر فهو لا يتغير كما أن فعل منه على طريقة واحدة وصار هذا في فعل لأن ما كان على ثلاثة أحرف قد يبنى على فعل وفعل وفعل وهذه الأبنية كل بناء منها إذا قلت فيه فعل لزم بناءً واحداً في كلام العرب كلها‏.‏

وتقلو‏:‏ صبح يصبح لأن يفعل من فعلت لازمٌ له الضم لا يصرف إلى غيره فلذلك لم يفتح هذا‏.‏

ألا تراهم قالوا في جميع هذا هكذا قالوا‏:‏ قبح يقبح وضخم يضخم وقالوا‏:‏ ملؤ يملؤ وقمؤ يقمؤ وضعف يضعف وقالوا‏:‏ رعف يرعف وسعل يسعل كما قالوا‏:‏ شعر يشعر‏.‏

وقالوا‏:‏ ملؤ فلم يفتحوها لأنهم لم يريدوا أن يخرجوا فعل من هذا الباب وأرادوا أن تكون الأبنية الثلاثة فعل وفعل وفعل في هذا الباب فلو فتحوا لا لتبس فخرج فعل من هذا الباب‏.‏

وإنما فتحوا يفعل من فعل لأنه مختلفٌ وإذا قلت فعل ثم قلت يفعل علمت أن أصله الكسر أو الضم إذا قلت فعل ولا تجد في حيز ملؤ هذا‏.‏

ولا يفتح فعل لأنه بناء لا يتغير وليس كيفعل من فعل لأنه يجيء مختلفاً فصار بمنزلة يقرىء ويستبرىء‏.‏

وإنما كان فعل كذلك لأنه أكثر في الكلام فصار فيه ضربان ألا ترى أن فعل فيما تعدى أكثر من فعل وهي فيما لا يتعدى أكثر نحو قعد وجلس‏.‏

  باب ما هذه الحروف فيه فاءات

تقول‏:‏ أمر يأمر وأبق يأبق وأكل يأكل وأفل يأفل لأنها ساكنةٌ وليس ما بعدها بمنزلة ما قبل اللامات لأن هذا إنما هو نحو الإدغام والإدغام إنما يدخل فيه الأول في الآخر والآخر على حاله ويقلب الأول فيدخل في الآخر حتى يصير هو والآخر من موضع واحد نحو قد تركتك ويكون الآخر على حاله فإنما شبه هذا بهذا الضرب من الإدغام فأتبعوا الأول الآخر كما اتبعوه ومع هذا أن الذي قبل اللام فتحته اللام في قرأ يقرأ حيث قرب جواره منها لأن الهمز وأخواته لو كن عينات فتحن فلما وقع موضعهن الحرف الذي كن يفتحن به لو قرب فتح‏.‏

وكرهوا أن يفتحوا هنا حرفاً لو كان في موضع الهمز لم يحرك أبداً ولزمه السكون‏.‏

فحالهما في الفاء واحدة كما أن حال هذين في العين واحدة‏.‏

وقالوا‏:‏ أبى يأبى فشبهوه بيقرأ‏.‏

وفي يأبى وجهٌ آخر‏:‏ أن يكون فيه مثل حسب يحسب فتحا كما كسرا‏.‏

وقالوا‏:‏ جبى يجبى وقلى يقلى فشبهوا هذا بقرأ يقرأ ونحوه وأتبعوه الأول كما قالوا‏:‏ وعده يريدون وعدته أتبعوا الأول يعني في يأبى لأن الفاء همزة‏.‏

وكما قالوا‏:‏ مضجعٌ‏.‏

ولا نعلم إلا هذا الحرف وأما غير هذا فجاء على القياس مثل عمر يعمر ويعمرن ويهرب ويحزر‏.‏

وقالوا‏:‏ عضضت تعض فإنما يحتج بوعده يريدون وعدته فأتبعوه الأول كقولهم أبى يأبى ففتحوا ما بعد الهمزة للهمزة وهي ساكنة‏.‏

وأما جبى يجبى وقلى يقلى فغير معروفين إلا من وجيهٍ ضعيف فلذلك أمسك عن الاحتجاج لهما‏.‏

وكذلك عضضت تعض غير معروف‏.‏

قالوا‏:‏ شأى يشأى وسعى يسعى ومحا يمحى وصغا يصغى ونحا ينحى فعلوا به ما فعلوا بنظائره من غير المعتل‏.‏

وقالوا‏:‏ بهو يبهو لأن نظير هذا أبداً من غير المعتل لا يكون إلا يفعل‏.‏

ونظائر الأول مختلفات في يفعل‏.‏

وقد قالوا‏:‏ يمحو ويصغو ويزهوهم الآل أي يرفعهم ويزهو وينحو ويرغو كما فعلوا بغير المعتل‏.‏

وقالوا‏:‏ يدعو‏.‏

وأما الحروف التي من بنات الثلاث نحو جاء يجيء وباع يبيع وتاه يتيه فإنما جاء على الأصل حيث أسكنوا ولم يحتاجوا إلى التحريك‏.‏

وكذلك المضاعف نحو دع يدع وشح يشح وسحت السماء تسح لأن هذه الحروف التي هي عينات أكثر ما تكون سواكن ولا تحرك إلا في موضع الجزم من لغة أهل الحجاز وفي موضع تكون لام فعلت تسكن فيه بغير الجزم ننحو رددن ويرددن وهذا أيضاً تدغمه بكر بن وائلٍ فلما كان السكون فيه أكثر جعلت بمنزلة ما لا يكون فيه إلا ساكناً وأجريت على التي يلزمها السكون‏.‏

وزعم يونس أنهم يقولون‏:‏ كع يكع ويكع أجود لما كانت قد تحرك في بعض المواضع جعلت بمنزلة يدع ونحوها في هذه اللغة وخالفت باب جئت كما خالفتها في أنها قد تحرك‏.‏

إذا كان واحد منها عيناً وكانت الفاء قبلها مفتوحة وكان فعلا إذا كان ثانيه من الحروف الستة فإن فيه أربع لغات‏:‏ مطردٌ فيه فعلٌ وفعل وفعلٌ وفعلٌ‏.‏

إذا كان فعلاً أو اسماً أو صفةً فهو سواء‏.‏

وفي فعيلٍ لغتان‏:‏ فعيلٌ وفعيلٌ إذا كان الثاني من الحروف الستة‏.‏

مطردٌ ذلك فيهما لا ينكسر في فعيل ولا فعلٍ إذا كان كذلك كسرت الفاء في لغة تميم‏.‏

وذلك قولك‏:‏ لئيمٌ وشهيدٌ وسعيدٌ ونحيفٌ ورغيفٌ وبخيلٌ وبئيسٌ وشهدٌ ولعبٌ وضحكٌ ونغلٌ ووخمٌ‏.‏

وكذلك فعلٌ إذا كان صفة أو فعلا أو اسماً‏.‏

وذلك قولك‏:‏ رجلٌ لعبٌ ورجلٌ محكٌ وهذا ماضغٌ لهمٌ وهذا رجلٌ وعكٌ ورجلٌ جئزٌ - يقال جئز الرجل غص - وهذا عيرٌ نعرٌ وفخذٌ‏.‏

وإنما كان هذا في هذه الحروف لأن هذه الحروف قد فعلت في يفعل ما ذكرت لك حيث كانت لاماتٍ من فتح العين ولم تفتح هي أنفسها هنا لأنه ليس في الكلام فعيلٌ وكراهية أن يلتبس فعلٌ بفعلٍ فيخرج من هذه الحروف فعلٌ فلزمها الكسر ههنا وكان أقرب الأشياء إلى الفتح وكانت من الحروف التي تقع الفتحة قبلها لما ذكرت لك فكسرت ما قبلها حيث لزمها الكسر وكان ذلك أخف عليهم حيث كانت الكسرة تشبه الألف فأرادوا أن يكون العمل من وجه واحد‏.‏

كما أنهم إذا أدغموا فإنما أرادوا أن يرفعوا ألسنتهم من موضع واحد‏.‏

وإنما جاز هذا في هذه الحروف حيث كانت تفعل في يفعل ما ذكرت لك فصار لها في ذلك قوةٌ ليست لغيرها‏.‏

وأما أهل الحجاز فيجرون جميع هذا على القياس وقالوا رؤفٌ ورءوفٌ فلا يضم لبعد الواو من الألف‏.‏

فالواو لا تغلب على الألف إذ لم تقرب كقرب الياء منها‏.‏

كما أنك تقول‏:‏ ممثلك فتجعل النون ميما ولا تقول همثلك فتدعم لأن النون لها شبهٌ بالميم ليس للام‏.‏

وسترى ذلك إن شاء الله في باب الإدغام‏.‏

وسمعت بعض العرب يقول‏:‏ بيس فلا يحقق الهمزة ويدع الحرف على الأصل كما قالوا شهد فخففوا وتركوا الشين على الأصل‏.‏

وأما الذين قالوا مغيرةٌ ومعينٌ فليس على هذا ولكنهم أتبعوا الكسرة الكسرة كما قالوا‏:‏ منتنٌ وأنبؤك وأجوءك يريد‏:‏ أجيئك وأنبئك‏.‏

وقالوا في حرف شاذٍ إحب ونحب ويحب شبهوه بقولهم منتنٌ وإنما جاءت على فعل وإن لم يقولوا حببت‏.‏

وقالوا‏:‏ يحب كما قالوا‏:‏ يئبى فلما جاء شاذاً على بابه على يفعل خولف به كما قالوا‏:‏ يا ألله وقالوا‏:‏ ليس ولم يقولوا لاس فكذلك يحب ولم يجىء على أفعلت فجاء على ما لم يستعمل فأما أجىء ونحوها فعلى القياس وعلى ما كانت تكون عليه لو أتموا لأن هذه الألف يعني ألف أفعل لا يتحرك ما بعدها في الأصل فترك على ذلك‏.‏

  باب ما تكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة للأسماء

كما كسرت ثاني الحرف حين قلت فعل وذلك في لغة جميع العرب إلا أهل الحجاز وذلك قولهم‏:‏ أنت تعلم ذاك وأنا إعلم وهي تعلم ونحن نعلم ذاك‏.‏

وكذلك كل شيء فيه فعل من بنات الياء والواو التي الياء والواو فيهن لام أو عين والمضاعف‏.‏

وذلك قولك‏:‏ شقيت فأنت تشقى وخشيت فأنا إخشى وخلنا فنحن نخال وعضضتن فأنتن تعضضن وأنت تعضين‏.‏

وإنما كسروا هذه الأوائل لأنهم أرادوا أن تكون أوائلها كثوانى فعل كما ألزموا الفتح ما كان ثانيه مفتوحاً في فعل وكان البناء عندهم على هذا أن يجروا أوائلها على ثواني فعل منها‏.‏

وقالوا‏:‏ ضربت تضرب وأضرب ففتحوا أول هذا كما فتحوا الراء في ضرب‏.‏

وإنما منعهم أن يسكروا الثاني كما كسروا في فعل أنه لا يتحرك فجعل ذلك في الأول‏.‏

وجميع هذا إذا قلت فيه يفعل فأدخلت الياء فتحت وذلك أنهم كرهوا الكسرة في الياء حيث لم يخافوا انتقاض معنىً فيحتمل ذلك كما يكرهون الياءات والواوات مع الياء وأشباه ذلك‏.‏

ولا يكسر في هذا الباب شيءٌ كان ثانيه مفتوحا نحو ضرب وذهب وأشباههما‏.‏

وقالوا‏:‏ أبى فأنت تئبى وهو يئبى‏.‏

وذلك أنه من الحروف التي يستعمل يفعل فيها مفتوحا وأخواتها وليس القياس أن تفتح وإنما هو حرفٌ شاذ فلما جاء مجيء ما فعل منه مكسور فعلوا به ما فعلوا بذلك وكسروا في الياء فقالو يئبى وخالفوا به في هذا باب فعل كما خالفوا به بابه حين فتحوا وشبهوه بيبجل حين أدخلت في باب فعل وكان إلى جنب الياء حرف الاعتلال‏.‏

وهم ما يغيرون الأكثر في كلامهم ويجسرون عليه إذ صار عندهم مخالفاً‏.‏

وقالوا‏:‏ مره وقال بعضهم‏:‏ أومره حين خالفت في موضع وكثر في كلامهم خالفوا به في موضع آخر‏.‏

وجميع ما ذكرت مفتوح في لغة أهل الحجاز وهو الأصل‏.‏

وأما يسع ويطأ فإنما فتحوا لأنه فعل يفعل مثل حسب يحسب ففتحوا الهمزة والعين كما فتحوا للهمزة والعين حين قالوا يقرأ ويفزع‏.‏

فلما جاء على مثال ما فعل منه مفتوح لم يكسروا كما كسروا يأبى حيث جاء على مثال ما فعل منه مكسور‏.‏

ويدلك على أن الأصل في فعلت أن يفتح يفعل منه على لغة أهل الحجاز سلامتها في الياء وتركهم الضم في يفعل ولا يضم لضمة فعل فإنما هو عارضٌ‏.‏

وأما وجل يوجل ونحوه فإن أهل الحجاز يقولون يوجل فيجرونه مجرى علمت‏.‏

وغيرهم من العرب سوى أهل الحجاز يقولون في توجل‏:‏ هي تيجل وأنا إيجل ونحن نيجل‏.‏

وإذا قلت يفعل فبعض العرب يقولون ييجل كراهية الواو مع الياء شبهوا ذلك بأيام ونحوها‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ ياجل فأبدلوا مكانها ألفاً كراهية الواو مع الياء كما يبدلوننها من الهمزة الساكنة‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ ييجل كأنه لما كره الياء مع الواو كسر الياء ليقلب الواو ياءً لأنه قد علم أن الواو الساكنة إذا كانت قبلها كسرة صارت ياءً ولم تكن عنده الواو التي تقلب مع الياء حيث كانت الياء التي قبلها متحركة فأرادوا أن يقلبوها إلى هذا الحد وكره أن يقلبها على ذلك الوجه الآخر‏.‏

واعلم أن كل شيء كانت ألفه موصولة مما جازو ثلاثة أحرف في فعل فإنك تكسر أوائل الأفعال المضارعة للأسماء‏.‏

وذلك لأنهم أرادوا أن يكسروا أوائلها كما كسروا أوائل فعل فلما أرادوا الأفعال المضارعة على هذا المعنى كسروا أوائلها كأنهم شبهوا هذا بذلك‏.‏

وإنما منعهم أن يكسروا الثواني في باب فعل أنها لم تكن تحرك فوضعوا ذلك في الأوائل‏.‏

ولم يكونوا ليكسروا الثالث فيلتبس يفعل بيفعل وذلك‏:‏ قولك استغفر فأنت تستغفر واحرنجم فأنت تحرنجم واغدودن فأنت تغدودن واقعنس فأنا إقعنسس‏.‏

وكذلك كل شيء من تفعلت أو تفاعلت أو تفعللت يجري هذا المجرى لأنه كان عندهم في الأصل مما ينبغي أن تكون أوله ألفٌ موصولة لأن معناه معنى الانفعال وهو بمنزلة انفتح وانطلق ولكنهم لم يستعملوه استخفافاً في هذا القبيل‏.‏

وقد يفعلون هذا في أشياء كثيرة وقد كتبناها وستراها إن شاء الله‏.‏

والدليل على ذلك أنهم يفتحون الياءات في يفعل ومثل ذلك قولهم‏:‏ تقى الله رجلٌ يم يتقي الله أجروه على الأصل‏.‏

وإن كانوا لم يستعملوا الألف حذفوها والحرف الذي بعدها‏.‏

وجميع هذا يفتحه أهل الحجاز وبنو تميم لا يكسرونه في الياء إذا قالوا يفعل‏.‏

وأما فعلٌ فإنه لا يضم منه ما كسر من فعلٍ لأن الضم أثقل عندهم فكرهوا الضمتين ولم يخافوا التباس معنيين فعمدوا إلى الأخف ولم يريدوا تفريقاً بين معنيين كما أردت ذلك في فعل - يعني في الإتباع - فيحتمل هذا فصار الفتح مع الكسر عندهم محتملا وكرهوا الضم مع الضم‏.‏

  هذا باب ما يسكن استخفافاً

وهو في الأصل متحرك وذلك قولهم في فخذٍ‏:‏ فخذٌ وفي كبدٍ‏:‏ كبدٌ وفي عضدٍ‏:‏ عضدٌ وفي الرجل‏:‏ رجلٌ وفي كرم الرجل‏:‏ كرم وفي علم‏:‏ علم وهي لغة بكر بن وائل وأناسٍ كثير من بني تميم‏.‏

وقالوا في مثلٍ‏:‏ لم يحرم من فصد له‏.‏

وقال أبو النجم‏:‏ لو عصر منه البان والمسك انعصر يريد‏:‏ عصر‏.‏

وإنما حملهم على هذا أنهم كرهوا أن يرفعوا ألسنتهم عن المفتوح إلى المكسرو والمفتوح أخف عليهم فكرهوا أن ينتقلوا من الأخف إلى الأثقل وكرهوا في عصر الكسرة بعد الضمة كما يكرهون الواو مع الياء في مواضع‏.‏

ومع هذا أنه بناءٌ ليس من كلامهم إلا في هذا الموضع من الفعل فكرهوا أن يحولوا ألسنتهم إلى الاستثقال‏.‏

وإذا تتابعت الضمتان فإن هؤلاء يخففون أيضاً كرهوا ذلك كما يكرهون الواوين وإنما الضمتان من الواوين فكما تكره الواوان كذلك تكره الضمتان لأن الضمة من الواو‏.‏

وذلك قولك‏:‏ الرسل وكذلك الكسرتان تكرهان عند هؤلاء كما تكره الياءان في مواضع وإنما الكسرة من الياء فكرهوا الكسرتين كما تكره الياءان‏.‏

وذلك في قولك في إبلٍ‏:‏ إبلٌ‏.‏

وأما ما توالت فيه الفتحتان فإنهم لا يسكنون منه لأن الفتح أخف عليهم من الضم والكسر كما أن الألف أخف من الواو والياء‏.‏

وسترى ذلك إن شاء الله‏.‏

وذلك نحو‏:‏ جملٍ وحملٍ ونحو ذلك‏.‏

ومما أشبه الأول فيما ليس على ثلاثة أحرف قولهم‏:‏ أراك منتفخاً تسكن الفاء تريد‏:‏ منتفخاً فما بعد النون بمنزلة كبدٍ‏.‏

ومن ذلك قولهم‏:‏ انطلق بفتح القاف لئلا يلتقي ساكنان كما فعلوا ذلك بأين وأشباهها حدثنا بذلك الخليل عن العرب وأنشدنا بيتاً وهو لرجل من أزد السراة‏:‏ عجبت لمولودٍ وليس له أبٌ وذي ولدٍ لم يلده أبوان وسمعناه من العرب كما أنشده الخليل‏.‏

ففتحوا الدال كي لا يلتقي ساكنان وحيث أسكنوا موضع العين حركوا الدال‏.‏

  باب ما أسكن من هذا الباب

لأن الأصل عندهم أن يكون الثاني متحركا وغير الثاني أول الحرف‏.‏

وذلك قولك‏:‏ شهد ولعب تسكن العين كما أسكنتها في علم وتدع الأول مكسوراً لأنه عندهم بمنزلة ما حركوا فصار كأول إبل‏.‏

سمعناهم ينشدون هذا البيت للأخطل هكذا‏:‏ إذا غاب عنا غاب عنا فراتنا وإن شهد أجدى فضله وجدوا له ومثل ذلك‏:‏ نعم وبئس إنما هما فعل وهو أصلهما‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ فبها ونعمت إنما أصلها‏:‏ فبها ونعمت‏.‏

وبلغنا أن بعض العرب يقول‏:‏ نعم الرجل‏.‏

ومثل ذلك غزى الرجل لا تحول الياء واواً لأنها إنما خففت والأصل عندهم التحرك وأن تجرى ياءً كما أن الذي خفف الأصل عنده التحرك وأن يجرى الأول في خلافه مكسوراً‏.‏

  باب ما تمال فيه الألفات

فالألف تمال إذا كان بعدها حرفٌ مكسور‏.‏

وذلك قولك‏:‏ عابدٌ وعالمٌن ومساجد ومفاتيح وعذافرٌ وهابيل‏.‏

وإنما أمالوها للكسرة التي بعدها أرادوا أن يقربوها منها كما قربوا في الإدغام الصاد من الزاي حين قالوا صدر فجعلوها بين الزاي والصاد فقربها من الزاي والصاد التماس الخفة لأن الصاد قريبةٌ من الدال فقربها من أشبه الحروف من موضعها بالدال‏.‏

وبيان ذلك في الإدغام‏.‏

فكما يريد في الإدغام أن يرفع لسانه من موضع واحد كذلك يقرب الحرف إلى الحرف على قدر ذلك‏.‏

فالألف قد تشبه الياء فأرادوا أن يقربوها منها‏.‏

وإذا كان بين أول حرفٍ من الكلمة وبين الألف حرفٌ متحرك والأول مكسور نحو عمادٍ أملت الألف لأنه لا يتفاوت ما بينهما بحرف‏.‏

ألا تراهم قالوا‏:‏ صبقت فجعلوها صاداً لمكان القاف كما قالوا‏:‏ صقت‏.‏

وكذلك إن كان بينه وبين الألف حرفان الأول ساكنٌ لأن الساكن ليس بحاجز قويٍّ وإنما يرفع لسانه عن الحرف المتحرك رفعةً واحدة كما رفعه في الأول فلم يتفاوت لهذا كما لم يتفاوت الحرفان حيث قلت‏:‏ صويقٌ‏.‏

وذلك قولهم‏:‏ سربالٌ وشملالٌ وعمادٌ وكلابٌ‏.‏

وجميع هذا لا يميله أهل الحجاز‏.‏

فإذا كان ما بعد الألف مضموماً أو مفتوحاً لم تكن فيه إمالةٌ وذلك نحو آجرٍ وتابلٍ وخاتمٍ‏.‏

لأن الفتح من الألف فهو ألزم لها من الكسرة ولا تتبع الواو لأنها لا تشبهها‏.‏

ألا ترى أنك لو أردت التقريب من الواو انقلبت فلم تكن ألفاً‏.‏

وكذلك إذا كان الحرف الذي قبل الألف مفتوحاً أو مضموماً نحو‏:‏ ربابٍ وجمادٍ والبلبال والجماع والخطاف‏.‏

وتقول‏:‏ الاسوداد فيميل الألف ههنا من أمالها في الفعال لأن وداداً بمنزلة كلابٍ‏.‏

ومما يميلون ألفه كل شيءٍ من بنات الياء والواو كانت عينه مفتوحة‏.‏

أما ما كان من بنات الياء فتمال ألفه لأنها في موضع ياء وبدلٌ منها فنحوا نحوها كما أن بعضهم يقول‏:‏ قد رد‏.‏

وقال الفرزدق‏:‏ وما حل من جهلٍ حبى حلمائنا ولا قائل المعروف فينا يعنف فيشم كأنه ينحو نحو فعل‏.‏

فكذا نحوا نحو الياء‏.‏

وأما بنات الواو فأمالوا ألفها لغلبة الياء على هذه اللام لأن هذه اللام التي هي واوٌ إذا جاوزت ثلاثة أحرف قلبت ياءً والياء لا تقلب على هذه الصفة واواً فأميلت لتمكن الياء في بنات الواو‏.‏

ألا تراهم يقولون معديّلإ ومسنيٌّ والقني والعصي ولا تفعل هذا الواو بالياء‏.‏

فأمالوها لما ذكرت لك‏.‏

والياء أخف عليهم من الواو فنحوا نحوها‏.‏

وقد يتركون الإمالة فيما كان على ثلاثة أحرف من بنات الواو نحو قفاً وعصاً والقنا والقطا وأشباههن من الأسماء‏.‏

وذلك أنهم أرادوا أن يبينوا أنها مكان الواو ويفصلوا بينها وبين بنات الياء‏.‏

وهذا قليل يحفظ‏.‏

وقد قالوا‏:‏ الكبا والعشا والمكا وهو جحر الضب كما فعلوا ذلك في الفعل‏.‏

والإمالة في الفعل لا تنكسر إذا قلت‏:‏ غزا وصفا ودعا وإنما كان في الفعل متلئباً لأن الفعل لا يثبت على هذه الحال للمعنى‏.‏

ألا ترى أنك تقول غزا ثم تقول غزى فتدخله الياء وتغلب عليه وعدة الحروف على حالها‏.‏

وتقول أغزوا فإذا قلت أفعل قلت أغزى قلبت وعدة الحروف على حالها‏.‏

فآخر الحروف أضعف لتغيره والعدة على حالها وتخرج إلى الياء تقول‏:‏ لأغزين ولا يكون ذلك في الأسماء‏.‏

فإذا ضعفت الواو فإنها تصير إلى الياء فصارت الألف أضعف في الفعل لما يلزمها من فإذا بلغت الأسماء أربعة أحرف أو جاوزت من بنات الواو فالإمالة مستتبة لأنها قد خرجت إلى الياء‏.‏

وجميع هذا لا يميله ناسٌ كثير من بني تميم وغيرهم‏.‏

ومما يميلون ألفه كل اسمٍ كانت في آخره ألف زائدة للتأنيث أو لغير ذلك لأنها بمنزلة ما هو من بنات الياء‏.‏

ألا ترى أنك لو قلت في معزى وفي حبلى فعلت على عدة الحروف لم يجىء واحدٌ من الحرفين إلا من بنات الياء‏.‏

فكذلك كل شيءٍ كان مثلهما مما يصير في تثنيةٍ أو فعلٍ ياءً فلما كانت في حروف لا تكون من بنات الواو أبداً صارت عندهم بمنزلة ألف رمى ونحوها‏.‏

وناس كثير لا يميلون الألف ويفتحونها يقولون‏:‏ حبلى ومعزى‏.‏

ومما يميلون ألفه كل شيءٍ كان من بنات الياء والواو مما هما فيه عينٌ إذا كان أول فعلت مكسورا نحوا نحو الكسر كما نحوا نحو الياء فيما كانت ألفه في موضع اليء وهي لغة لبعض أهل الحجاز‏.‏

فأما العامة فلا يميلون‏.‏

ولا يميلون ما كانت الواو فيه عيناً إلا ما كان منكسر الأول وذلك خاف وطاب وهاب‏.‏

وبلغنا عن ابن أبي إسحاق أنه سمع كثير عزة يقول‏:‏ صار بمكان كذا وكذا‏.‏

وقرأها بعضهم‏:‏ خاف‏.‏

ولا يميلون بنات الواو إذا كانت الواو عيناً إلا ما كان على فعلت مكسور الأول ليس غيره‏:‏ ولا يميلون شيئاً من بنات المضموم الأول من فعلت لأنه لا كسرة ينحى نحوها ولا تشبه بنات الواو التي الواو فيهن لام لأن الواو فيهن قوية ههنا ولا تضعف ضعفها ثمة‏.‏

ألا تراها ثابتة في فعلت وأفعل وفاعلت ونحوه‏.‏

فلما قويت ههنا تباعدت من الياء والإمالة وذلك قولك‏:‏ قام ودار لا يميلونهما‏.‏

وقالوا‏:‏ مات وهم الذين يقولون‏:‏ مت‏.‏

ومن لغتهم صار وخاف‏.‏

ومما تمال ألفه قولهم‏:‏ كيالٌ وبياعٌ‏.‏

وسمعنا بعض من يوثق بعربيته يقول‏:‏ كيالٌ كما ترى فيميل‏.‏

وإنما فعلوا هذا لأن قثبلها ياءً فصارت بمنزلة الكسرة التي تكون قبلها نحو سراج وجمالٍ‏.‏

وكثيرٌ من العرب وأهل الحجاز لا يميلون هذه الألف‏.‏

ويقولون‏:‏ شوك السيال والضياح كما قلت كيالٌ وبياعٌ‏.‏

وقالوا‏:‏ شيبان وقيس عيلان وغيلان فأمالوا للياء‏.‏

والذين لا يميلون في كيال لا يميلون ههنا‏.‏

ومما يميلون ألفه قولهم‏:‏ مررت ببابه وأخذت من ماله‏.‏

هذا في موضع الجر وشبهوه بفاعلٍ نحو كاتبٍ وساجدٍ‏.‏

والإمالة في هذا أضعف لأن الكسرة لا تلزم‏.‏

وسمعناهم يقولون‏:‏ من أهل عاد‏.‏

فأما في موضع الرفع والنصب فلا تكون كما لا تكون في آجرٍّ وتابلٍ‏.‏

وقالوا‏:‏ رأيت زيداً فأمالوا كما فعلوا ذلك بغيلان‏.‏

والإمالة في زيد أضعف لأنه يدخله الرفع‏.‏

ولا يقولون رأيت عبداً فيميلوا لأنه ليست فيه ياء كما أنك لا تميل ألف كسلان لأنه ليست فيه ياء‏.‏

وقالوا‏:‏ درهمان‏.‏

وقالوا‏:‏ رأيت قزحاً وهو أبزار القدر‏.‏

ورأيت علما فيميلون جعلوا الكسرة كالياء‏.‏

وقالوا‏:‏ في النجادين كما قالوا‏:‏ مررت ببابه فأمالوا الألف‏.‏

وقالوا في الجر‏:‏ مررت بعجلانك فأمالوا كما قالوا‏:‏ مررت ببابك وقالوا‏:‏ مررت بمالٍ كثيرٍ ومررت بالمال كما تقول‏:‏ هذا ماشٍ‏.‏

وهذا داعٍ‏.‏

فمنهم من يدع ذاك في الوقف على حاله ومنهم من ينصب في الوقف لأنه قد أسكن ولم يتكلم بالكسرة فيقول‏:‏ بالمال وماش‏.‏

وأما الآخرون فتركوه على حاله كراهية أن يكون كما لزمه الوقف‏.‏

وقال ناس‏:‏ رأيت عماداً فأمالوا للإمالة كما أمالوا للكسرة‏.‏

وقال قوم‏:‏ رأيت علماً ونصبوا عماداً لما لم يكن قبلها ياءٌ ولا كسرة جعلت بمنزلتها في عبدا‏.‏

وقال بعض الذين يقولون في السكت بمال‏:‏ من عند الله ولزيدٍ مال شبهوه بألف عماد للكسرة قبلها‏.‏

فهذا أقل من مررت بمالك لأن الكسرة منفصلة‏.‏

والذين قالوا من عند الله أكثر لكثرة ذا الحرف في كلامهم‏.‏

ولم يقولوا ذا مالٌ يريدون ذا التي في هذا لأن الألف إذا لم تكن طرفاً شبهت بألف فاعل‏.‏

وتقول عمادا تميل الألف الثانية لإمالة الأولى‏.‏

  باب من إمالة الألف يميلها فيه ناس من العرب كثير

وذلك قولك‏:‏ يريد أن يضربها ويريد أن ينزعها لأن الهاء خفية والحرف الذي قبل الحرف الذي يليه مكسور فكأنه قال‏:‏ يريد أن يضربا كما أنهم إذا قالوا ردها كأنهم قالوا ردا فلذلك قال هذا من قال رد ورده صار ما بعد الضاد في يضربا بمنزلة علما‏.‏

وقالوا في هذه اللغة منها فأمالوا وقالوا في مضربها وبها وبنا‏.‏

وهذا أجدر أن يكون لأنه ليس بينه وبين الكسرة إلا حرف واحد‏.‏

فإذا كانت تمال مع الهاء وبينها وبين الكسرة حرف فهي إذا لم يكن بين الهاء وبين الكسرة شيءٌ أجدر أن تمال‏.‏

والهاء خفية فكما تقلب الألف للكسرة ياءً كذلك أملتها حيث قربت منها هذا القرب‏.‏

وقالوا‏:‏ بيني وبينها فأمالوا في الياء كما أمالوا في الكسرة‏.‏

وقالوا‏:‏ يريد أن يكيلها ولم يكلها‏.‏

وذلك أنه وقع بين الألف وبين الكسرة الضمة فصارت حاجزاً فمنعت الإمالة لأن الباء في قولك يضربها فيها إمالةٌ فلا تكون في المضموم إمالةٌ إذا ارتفعت الباء كما لا يكون في الواو الساكنة إمالةٌ‏.‏

وإنما كان في الفتح لشبه الياء بالألف‏.‏

ولا تكون إمالةٌ في لم يعلمها ولم يخفها لأنه ليست ههنا ياء ولا كسرة تميل الألف‏.‏

وقالوا‏:‏ فينا وعلينا فأمالوا للياء حيث قربت من الألف ولهذا قالوا‏:‏ بيني وبينها‏.‏

وقالوا‏:‏ رأيت يداً فأمالوا للياء‏.‏

وقالوا‏:‏ رأيت يدها فأمالوا كما قالوا‏:‏ يضربا ويضربها‏.‏

وقال هؤلاء‏:‏ رأيت دما ودمها فلم يميلوا لأنه لا كسرة فيه ولا ياء‏.‏

وقال هؤلاء‏:‏ عندها لأنه لو قال عندا أمال فلما جاءت الهاء صارت بمنزلتها لو لم تجىء بها‏.‏

واعلم أن الذين قالوا رأيت عدا الألف ألف نصبٍ ويريد أن يضربها يقولون‏:‏ هو منا وإنا إلى الله راجعون وهم بنو تميم‏.‏

وبقوله أيضاً قومٌ من قيس وأسدٍ ممن ترتضي عربيته فقال‏:‏ هو منا وليس منهم وإنا لمختلفون فجعلها بمنزلة رأيت عد وقال هؤلاء‏:‏ رأيت عنبا وهو عندنا فلم يميلوا لأنه وقع بين الكسرة والألف حاجزان قويان ولم يكن الذي قبل الألف هاءً فتصير كأنها لم تذكر‏.‏

وقالوا‏:‏ رأيت ثوبه بتكا فلم يميلوا‏.‏

وقالوا‏:‏ في رجلٍ اسمه ذه‏:‏ رأيت ذها أملت الألف كأنك قلت‏:‏ رأيت يدا في لغة من قال‏:‏ يضربا ومر بنا لقربها من الكسرة كقرب ألف يضربا‏.‏

واعلم أنه ليس كل من أمال الألفات وافق غيره من العرب ممن يميل ولكنه قد يخالف كل واحد من الفريقين صاحبه فينصب بعضٌ ما يميل صاحبه ويميل بعضٌ ما ينصب صاحبه وكذلك من كان النصب من لغته لا يوافق غيره ممن ينصب ولكن أمره وأمر صاحبه كأمر الأولين في الكسر‏.‏

فإذا رأيت عربياً كذلك فلا ترينه خلط في لغته ولكن هذا من أمرهم‏.‏

ومن قال رأيت يدا قال رأيت زيناًء فقوله ينا بمنزله يدا وقال هؤلاء‏:‏ كسرت يدنا فصارت الياء ههنا بمنزلة الكسرة في قولك‏:‏ رأيت عنباً‏.‏

واعلم أن من لا يميل الألفات فيما ذكرنا قبل هذا الباب لا يميلون شيئءاً منها في هذا الباب‏.‏

واعلم أن الألف إذا دخلتها الإمالة دخل الإمالة ما قبلها وإذا كانت بعد الهاء فأملتها أملت ما قبل الهاء لأنك كأنك لم تذكرالهاء فكما تتبعها ما قبلها منصوبة كذلك تتبعهما ما قبلها ممالةً‏.‏

واعلم أن بعض من يميل يقول‏:‏ رأيت يداً ويدها فلا يميل تكون الفتحة أغلب وصارت الياء بمنزلة دال دم لأنها لا تشبه المعتل منصوبةً وقال هؤلاء‏:‏ زينا‏.‏

فهذا ما ذكرت لك من مخالفة بعضهم بعضاً‏.‏

وقال أكثر الفريقين إملهً‏:‏ رمى فلم يمل كره أن ينحو نحو الياء إذ كان إنما فر منها كما أن أكثرهم يقول رد في فعل فلا ينحو نحو ال كسرة لأنه فر مما تبين فيه الكسرة ولا يقول ذلك في حبلى لأنه لم يفر فيها من ياء ولا في معزى‏.‏

واعلم أن ناساً ممن يميل في يضربها ومنا ومنها وبنا واشباه هذا مما فيه علامة الإضمار إذا وصلوا نصبوها فقالوا‏:‏ نريد أن يضربا زيداًن ويريد أن يضربها زيدٌ ومنا زيدٌ وذلك لأنهم في الوقف - إذا كانت الألف تمال في هذا النحو - أن يبينوا في الوقف حيث وصلوا إلى الإمالة كما قالوا‏:‏ أفعى في أفعى جعلوها في الوقف ياء فإذا أمالوا كان أبين لها لأنه ينحو نحو الياء فإذا وصل ترمك ذلك لأن الألف في الوصل أبين كما قال أولئك في الوصل‏:‏ أفعى زيدٍ وقال هؤلاء‏:‏ بيني وبينها وبيني وبينها مالٌ‏.‏

وقد قال قوم فأمالوا أشياء ليست فيها علة مما ذكرنا فيما مضى وذلك قليل‏:‏ سمعنا بعضهم يقول‏:‏ طلبنا وطلبنا زيدٌ كأنه شبه هذه الألف بألف حبلى حيث كانت آخر الكلام ولم تكن بدلاً من ياء‏.‏

وقال‏:‏ رأيت عبدا ورأيت عنبا‏.‏

وسمعنا هؤلاء قالوا‏:‏ تباعد عنا فأجروه على القياس وقول العامة‏.‏

وقالوا‏:‏ معزانا في قول من قال عمادا فأمالهما جميعاً وذا قياس‏.‏

ومن قال عمادا قال معزانا وهما مسلمان‏.‏

وذا قياس قول غيرهم من العرب لأن قوله لمان بمنزلة عمادٍ والنون بعده مكسور فهذا أجدر‏.‏

فجملة هذا أن كل ما كانت له الكسرة ألزم كان أقوى في الإمالة‏.‏

  باب ما أميل على غير قياس

وإنما هو شاذ وذلك الحجاج إذا كان اسما لرجل وذلك لأنته كثر في كلامهم فحملوه على الأكثر لأن الإمالة أكثر في كلامهم‏.‏

وأكثر العرب ينصبه ولا يميل ألف حجاج إذا كان صفة يجرونه على القياس‏.‏

وأما الناس فيميله من لا يقول هذا مالٌ بمنزلة الحجا وهم أكثر العرب لأنها كألف فاعلٍ إذ كانت ثانية فلم تمل في غير الجر كراهية أن تكون كباب رميت وغزوت لأن الواو والياء في قلت وبعت أقرب إلى غير المعتل وأقوى‏.‏

وقال ناس يوثق بعربيتهم‏:‏ هذا بابٌ وهذا مالٌن وهذا عابٌ لما كانت بدلاً من الياء كما كانت في رميت شبهت بها وشبهوها في بابٍ ومالٍ بالألف التي تكون بدلاً من واو غزوت فتبعت الواو الياء في العين كما تبعتها في اللام لأن الياء قد تغلب على الواو هنا‏.‏

وفي مواضع ستراها والذين لا يميلون في الرفع والنصب أكثر العرب وهو أعم في كلامهم‏.‏

ولا يميلون في الفعل نحو قال لأنهم يفرقون بين مافعلت منه مكسور وبين ما فعلت منه مضمومٌ‏.‏

وهذا ليس في الأسماء‏.‏